الملك أساسه العدل كما جاء في الأثر
إعلم أنّ العدل ميزان الله تعالى في الأرض الذي يؤخذ به للضّعيف من القويّ والمحقّ من المبطل.واعلم أنّ عدل الملك يوجب محبّته وجوره يوجب الافتراق عنه.وقد قيل :دعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السّماء.وسأل الإسكندر حكماء أهل بابل:أيّهما أبلغ عندكم الشجاعة أم العدل؟فقالوا:إذا استعملنا العدل استغنينا به عن الشجاعة.ويقال: عدل السلطان أنفع من خصب الزّمان.
والسلطان إذا عدل انتشر العدل في رعيّته،فأقاموا الوزن بالقسط وتعاطوا الحقّ فيما بينهم،ولزموا قوانين العدل.فمات الباطل وذهبت رسوم الجور ،وانتعشت قوانين الحقّ،فأرسلت السّماء غيّاثها وأخرجت الأرض العميم من بركاتها.فتنمو التجارة،وتزكى الزّروع،وتدرّ الأرزاق،وترخص الأسعار،وتمتلئ الأوعية.وبذلك يكرم البخيل،ويتفضّل بإحسانه الكريم،وتقضى الحقوق.أمّا إذا جار السلطان انتشر الجور في البلاد وعمّ العباد.وأدّى ذلك إلى انحطاط القيم والعبادات،واضمحلال الشهامة والمروآت.فتفشّى فيهم المعاصي،وذهبت أماناتهم.فتتضعضع بذلك نفوسهم،وتقنط قلوبهم،فيمنعون الحقوق،ويتعاطون الباطل،ويبخسون المكيال والميزان،فترفع منهم البركة،وتمسك السّماء غيّاثها بحيث تخرج الأرض زرعها ونباتها.وهكذا يقلّ الحطام في أيدي النّاس،فيمتنعون عن إخراج الزّكاة المفروضة،ويبخلون بالمؤاساة المسنونة بعد أن يكونوا قد قبضوا أيديهم عن المكارم .فتراهم يتنازعون المقدار اللّطيف ويتجاحدون القدر الخسيس.فتنتشر فيهم الأيمان الكاذبة،والحيل في البيع،والخداع في المعاملة،والمكر والحيلة في القضاء والاقتضاء.ومن عاش كذلك فبطن الأرض خير له من ظهرها.
وقال أزدشير لابنه:يابنيّ إنّ الملك والعدل أخوان لا غنى لأحدهما عن صاحبه.فالملك أسّ والعدل حارسه.فما لم يكن له أسّ فمهدوم،وما لم يكن له حارس فضائع.
محمد الدبلي الفاطمي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire