mercredi 23 octobre 2013

هـــــل تــــســـعـــى إســـــرائــــــيـل إ لى ابــــتـــلاع القــــــدس والضــــفّـــة والخــــليل؟؟؟

        إسرائيل والعالم العربي العليل

لو قدّر لأيّ مفكّر، في بداية العقد الثامن من القرن الماضي،رسم صورة لما هو عليه العالم العربي اليوم  لاتّهم بالهلوسةوالحماقة والجنون.ذلك أنّ حجم التحوّلات التي عرفها العالم العربي كبيرة لدرجة أنّ أكثر التوقّعات تطيّرا ما كان لها أن تتوقّع ما نحن عليه اليوم.
 إنّ الزّلزلة النّوعية التي تلقّتها دول وحكومات العالم العربي في السنوات الأخيرة بحاجة إلى الكثير من التّأمّل والتفكير والاستعداد لاستخلاص الدروس والعبر.قهناك عالم  يعاد تشكيله ،وموقع الدوّل من هذا التّشكيل يتحدّد بمقتضى أدائها السياسي والاقتصادي والاجتماعي...إلخ.وهناك نظام  عالمي في طريقه إلى الانهيار ،وآخر يولد من جديد وإن لم تتشكّل ملامحه النهائية،والكلّ في سباق محموم بغية احتلال المواقع المتقدّمة والأفضل في سلّم  التّشكيل الجديد،بينما تشير المتغيّرات إلى أنّ العالم العربي يسير نحو مزيد من التشرذم والانقسام والتّهميش،باستثناءات نادرة،في ظلّ العولمة التي مابرحت تضرب الأرض في كلّ مكان.وهكذا سيتمّ إعادة إنتاج تبعية بقيود جديدة.
 وتحت وطأة هذه التحوّلات تدلّ كلّ المؤشرات على أنّ المعادلة الدوليةالقادمة في عمقها معادلة اقتصادية،وما كان يعتمد عليه دول العالم الثالث في المعادلة الاقتصادية السابقة كمصدر للمواد الأولية،خرج من المعادلة.فالنّجاح الا قتصادي الذي شهده العالم في العقود الأخيرة عمل على  إلغاء النظام الاقتصادي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.ذلك أنّ التيكنولوجيا الجديدة نسفت كلّ الاستراتيجيات القديمة للنّجاح الاقتصادي،ممّا جعل الثورة الخضراء تقلّل من أهمّية المواد الطّبيعية في التنمية الاقتصادية،على اعتبار أنّ توافر المواد الطبيعية في بلد ما لم يعد من الممكن جعله غنيا،كما أنّ عدم توافرها لدى بلد ما لم يعد حائلا دون أن يصبح غنيا.فالتطوّرات المذهلة عرفتها علوم التّقانة قلبت الحسابات رأسا على عقب،بحيث ما كان ميّزة في السّابق تحوّل إلى عيب،بعد أن حسمت مسألة الموادّ الأولية التي لن يكون لها،مستقبلا،مكان للمنافسة في هذا القرن الجديد الذي أصبحت فيه مهارات قوّة العمل والتّعليم هي الأسلحة التنافسية الأولى.
 وبفعل ضخامة التّحدّي الاقتصادي المطروح على الدّوّل العربية ،وفي ظلّ ما يجري في عالمنا اليوم،فإنّ الصّورة تبدو قاتمة بسبب ضعف وتفكّك العلاقات العربية-العربية،وهو الأمر المهدّد للدوّل العربية بالتّهميش الكلّي،وإخراجها من أيّ منافسة بجكم عدم ملاءمتها للعالم القادم.
لقد غرقت الأنظمة العربية الفاسدة في مستنقع من الضعف الظّاهر  النّاجم عن تدنّي مستوى عيش مواطنيها جرّاء تدهور اقتصادياتها المبنية على الرّيع والفساد وسوء التدبير.وهذه الصورة السلبية لعالمنا العربي جعلت التّحدّيات التي نواجهها أكبر من التّحديّات التي تواجهها مناطق أخرى من هذا العالم .فأمامنا حزمة كبيرة من المشكلات المتشابكة والمعقّدة التي علينا أن نتخطّاها حتّى نستطيع أن نواكب المستجدّات ،وأن تكون لنا العدّة والقدرة الكافيتان للسّير عبر مسالك التطوّر المتشعّبة بغية تجاوز المثلّث الذي تتألّف رؤوسه من:التحدّي السيّاسي،والتّحدّي الاقتصادي،والتّحدّي الأمني.
 أمّا الفكر الأمريكي الاستراتيجي فنجده،بعد خروج الولايات المتحدة منتصرة في الحرب الباردة،تسيطر عليه نزعة الأولوية للمصالح الأمريكية في كلّ بقاع العالم،بحيث أصبح العالم كلّه ميدانا رحبا للمصالح الأمريكية.وينطلق التّصوّر الأمريكي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من هذه النّزعة التي تعمل على حماية المصالح الحيوية للولايات المتحدة ولو كان ذلك على حساب الشعوب المستضعفة.ومن وجهة نظر الأمريكيين فإنّ منطقة الشرق الأوسط تعتبر مصلحة أمريكية حيوية عظيمة ممّا جعل إسرائيل شرطيا أمريكيا بالوكالة في المنطقة.ذلك أنّ منطقة الشرق الأوسط تشكّل جسرا رابطا بين أروبا وآسيا إفريقيا،كما تهيمن هذه المنطقة الحسّاسة على أكبر احتياطي نفطي في العالم،أضف إلى ذلك أنّ المنطقة العربية تملك أهمّ نقاط المرور في العالم كقناة السويس ومضيق هرمز.وهذه الميّزات هي التي ظلّت توجّه بوصلة الفكر الأمريكي والتي استمرّت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قصد الحصول على المزيد من القواعد العسكرية الأمريكية ومواطئ قدم  استراتيجية من خلال أصدقائها وحلفائها في المنطقة.
 أمّا التصوّر الإسرائيلي للمنطقة فينطلق من تعزيز التفوّق الإسرائيلي وتوسيعه من دائرة التفوّق العسكري إلى الدّوائر السياسية والاقتصادية من خلال السعي الإسرائيلي الحثيث لإدماج كيّانها في المنطقة ولعب دور محوري في ذات السيّاق.ويعتمد هذا التصوّر في إمكانية إنجازه على الضعف العربي الذي خلّفته حروب الصراع العربي-الإسرائيلي.لذلك يتوحّب،من وحهة نظر إسرائيل ،أن يتكيّف العرب مع الوقائع الجديدة.وهذه الرؤية موحودة سواء عند اليسار الإسرائيلي الذي يمثله حزب العمل أو اليمين الإسرائيلي الذي يمثله الليكود الذي مازال يكافح باستماتة من أجل ترسيخ التفوّق الإسرائيلي بصلف ووقاحة،إيمانا منه بأنّ المنتصر يجب أن يجني ثمار النصر والمهزوم يتحتّم عليه أن يدفع الفاتورة.والفاتورة هي أن تلتهم إسرائيل القدس والضّفّة والخليل.
 إنّ حزب الليكود الإسرائيلي يرفض فكرة الأرض مقابل السّلام لأنّه يعتقد أنّ هذا المبدأ  أدّى إلى تراجع مكانة إسرائيل الاستراتيجية والسيّاسية،لذلك يلاحظ أنّ نتنياهو يحاول استعادة مفاهيم الحرب الباردة ليدفع بالمنطقة إلى حافّة الحرب.وهذا التهديد والوعيد والمناورات الكلاميةهدفها الضغط على الحكّام العرب الضعفاء ليتخلّوا عن الأرض مقابل السّلام  ويكون السلام مقابل السّلام من دون المطالبة بالأرض لأنّ الأرض، من وجهة نظر اللّيكود ،ضرورة حتمية لأمن إسرائيل.
 وبهذا الأسلوب المغلّف بالدّهاء الإسرائيلي تسعى الدولة العبرية إلى استثمار كلّ مميّزات القوّة من أجل خلق شرق أوسط جديد  غايته تعزيز  هذه المميزات،ودعم دور إسرائيل الإقليمي.وأكيد أنّ مصادقة الكنيست الإسرائيلي مؤخّرا على عدم التفاوض مع الفلسطينيين
بشأن القدس يعكس بوضوح ما تشتغل عليه إسرائيل منذ ولادتها.لذلك يعتبر مستقبل المنطقة مرهونا بأداء دولها وحكوماتها في مجال العمل الجماعي التكاملي المشترك.وعلى الرّغم من المؤشرات السلبية في الواقع العربي الرّاهن،إلاّ أنّ المستقبل ليس مفروضا على الشعوب العربية كما بيّن ذلك الربيع العربي.فالبشر بمقدورهم أن يصنعوا تاريخهم،وأن يكون لهم دور في تقرير مصيرهم ،وبناء مجتمعاتهم.والإرادة الفاعلة القادرة على التغيير والإنجاز يجب أن تكون جزءا أساسيا من الواقع العربي القادم.إرادة تحدّد أهدافها وتعمل على إنجاز هذه الأهداف،من خلال رؤية أفقية وعمودية متكاملة تربط بين الواقع والمستقبل الذي ينتظرنا.ودراسة المستقبل ليست هروبا من مواجهة الواقع،بل هي تنبيه إلى المشكلات التي تتخطّى هموم الحاضر الثقيلة،والتي تفرض علينا عدم الاكتفاء بمواجهة ما هو آني وعاجل،بل تضع في حساباتها تحدّيات المستقبل وأزماته ومخاطره.فإن لم نخطّط  لمستقبلنا فسوف يخطّطه لنا الآخرون.والتخطيط الاستراتيجي للمستقبل  أن يتشكّل من عناصر متعدّدة،سياسية،واقتصادية،وثقافية،وتكنولوجية....إلخ،طالما أنّنا نسعى لبناء المستقبل  على المدى البعيد.والبشر هم المصدر الرئيس للاستراتيجية التي توصف بأنّها العمل على ربط الواقع بالطّموح.لذلك فهي تحتاج إلى كلّ الخبرات التاريخية للشعوب واستثمارها في إنتاج صورة المستقبل على أفضل وجه.

                                                                محمد  الدبلي  الفاطمي 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire