dimanche 15 septembre 2013

قــــــبـلـــــة الــــبــــيـــا ن ومـنـا سـك الـحـكـمـة والـعـرفا ن في مـــلــكــوت لـغـة الـفــرقـــا ن

 قبلة البيان ومناسك الحكمة والعرفان في ملكوت لغة الفرقان


الحمد لله ربّ السماوات والأرضين والخلق أجمعين،والصّلاة والسّلام  على المصطفى الأمين خاتم الأنبياء والمرسلين،وعلى أهل بيته المطهّرين الميامين،ومن تبعهم بإحسان ألى يوم الدّين.
 أمّا بعد،فإنّ أهل زماننا هذا أصبحوا عن صراط الأدب مبتعدين،ومن لقبه متشائمين،ولعشّاقه كارهين.أمّا الطّالب منهم فرافض للتّعليم،والمتأدّب في ريعان الشّباب غافل أو متجاهل أن يصعد سلّم المحظوظين بدل التّقوقع في زريبة المحرومين.وفي هذا السياق أفلست سوق البرّ ،ورميت سلع أهله بالكساد،وصار الأدب خزيا على صاحبه،والفضل نقصا،وأموال المترفين وقفا على شهوات النفوس وملذّاتها،والجاه الذي هو زكاة الشّرف يباع بيع الأمتعة الباليةفي الأسواق.فنبذت الحسنات،وانتهك قدر المعروف،وهلكت الخواطر،وانبطحت همم الضّمائر،وأصبحت غايات كتّابنا مرهونة في مطابخ الأعيان بعد أن امتطوا مركب العجز وأعفوا أنفسهم من كدّ النّظر،وقلوبهم  وعقولهم من تعب التّأمّل والتّفكّر.فنالوا المراتب العالية بغير سبب،وبلغوا القمّة بغير آلة،ولم يعد لهم من الإنسانية إلاّ الجسم،ومن الكتابة إلاّ الاسم.قال الشاعر:
                          ليس كلّ من حمل اليراع بكاتب****لا،ولا كلّ ذوات المخلب السّبع

 وهذا الكلام ليس موجّها إلى  من لم  يقترب من اللغة إلاّ بالقلم والمحبرة،لكنّه موجّه إلى النّفوس الطّيّبة،والعقول النيّرة،والضمائر الحيّة.فأهل هذا الزّمان طلّقوا الحكمة،وفصل الخطاب،واستحسنوا الرذيلة عوض الفضيلة،فأسمعوا رفيع الناس قشور الكلام،واتّهموا لغة الفرقان بالعقم بعد عجزهم  عن معرفة الفعل والمصدر،والحال والتمييز،والظرف والبدل وشيئ من التّصاريف والأبنية والصفات ،وكيفية اشتقاق الصوّر التفصيلية من القواعد الإجمالية.فحال الكتابة يحتاج فيه صاحبه إلى التّحلّي بفصاحة اللّسان،والقدرة على المنافسة في العلم،والعدول بالكلام عن الجهة التي تلزمه مستثقل الإعراب،بغية تحقيق السّلامة من اللّحن وقباحة التعبير.وحال الكتابة يستدعي أيضا أن يكون صاحبه متمكّنا من تنزيل ألفاظه منزلة يليق بها المقام  وتستريح إليها العقول والأفهام.قال الوزير أبرويز لكاتبه في تنزيل الكلام: إنّما الكلام أربعة:سؤالك الشيئ،وسؤالك عن الشيئ،وأمرك بالشيئ،وخبرك عن الشيئ.فهذه دعائم  المقالات إن التمس إليها خامس لم يوجد،وإن نقص منها رابع لم تتمّ.فإذا طلبت فأرفق،وإذا سألت فأوضح،وإذا أمرت فأحكم،وإذا أخبرت فحقّق.واجمع الكثير ممّا تريد في القليل ممّا تقول.قال الشاعر:

                لسان الفتى نصف ونصف فؤاده****فلم يبق إلاّ صورة اللّحم والدّم

إنّ اللّغة عليها مدار أحكام الوحي المنزّل والسّنّة النبوية الشريفة،وبترقية وظائفها وتوسيع مجالها الإشعاعي ونشر لطائفها الأدبية تنهض الأمّة فتزداد رقيا وازدهارا وحضارة .ومع الأسف فقد أصبح اللّحن في الكلام محمودا،وصار التّواصل بالعربية بين النّاس محدودا،ومن  العيوب معدودا.قال الشاعر:

              وزن الكلام  إذا نطـــــقت ولا تكن****ثرثارة في كلّ ناد تخــــــــطب

              فلقد نصحتك إن قبلت نصيــحتي****فالنّصح أغلى ما يباع ويوهــب

ومن كلام أهل الحكمة:غفلة القلب عن الحقّ من أعظم العيوب،وأكبر الدنوب،ولو كانت حينا من الأحيان أو  لمحة من اللّمحات ،حتّى إنّ الذين يخشون ربّهم بالغيب عدّوا الغافل في وقت الغفلة من جملة الكفّار.وكما يعاقب العوامّ على سيّئاتهم كذلك يعاقب الخواصّ على غفلاتهم.وقالوا:لا تكن ممّن يرى القذى في عين أخيه،ولا يرى الجذع المعترض في حدق نفسه.قال الشاعر:
           
            إذا طالبتك النّفس يوما بشـــهوة****وكان إليها في الخلاف سبيل

            فخالف هواها ما استطعت فإنّما****هواها عدوّ والخـــلاف صديق

 أرجو  الله التيسير في وصول هذا الكنز النّفيس إلى أهله وذويه ،وآملي أن يقيني تبارك وتعالى العثرة،ويجنّبني الزّلل،ويسدّد بالصواب خطاي،ويؤيّدني برحمته وفضله وتوفيقه.إنّه نعم المولى ونعم النّصير.

                                                        محمد الدبلي  الفاطمي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire