lundi 2 septembre 2013

إذا الـــــجــهـل خــيّــــم فــي بـلاد**** رأ يــــت أســـــــودهـــــا مـــســـخـــت قــرودا

إنّ العـــــــــبيد لأنـــــــــــجاس مــــــــناكيد

يعتبر الانقلاب على الشرعية عدوانا عليها ،واغتصابا مفضوجا لسلطة الشعب،أضف إلى ذلك أنّه اعتداء سافر على الحقوق السياسية والشرعية للمواطنين.والانقلاب العسكري ثصرف نخبوي يقوده ضابط بهدف الاستيلاء على السلطة بالقوّة،وغالبا ما تؤدي الانقلابات إلى سفك الدماء،وفرض حالة الطوارئ في البلاد،واعتقال كل المعارضين وتعذيبهم وتصفيتهم حتّى.وكلّما طال أمد حكم الانقلابيين كلّما تدهورت أوضاع الشعوب الاجتماعية،والاقتصادية،والسياسية،وعمّ الظلم والفساد،وتفشّى النهب والحيف والتزوير،ممّا سيؤثر حتما على كلّ انتقال ديمقراطي محتمل.

 وأكيد أنّ الثورات التي جاء بها الربيع العربي كانت شعبية بامتياز،بحيث قادها الشعب بنفسه،من خلال المظاهرات،والاحتجاجات،والاعتصامات،والدعوات لإسقاط الأنظمة الفاسدة.وفي هذا السياق،تساقطت القصور على رؤوس ساكنيها،وتزلزلت أركان الحكّام الفاسدين،وإذا بخفافيش الظلام تتحرّك لإيقاف عجلة الزمن،من خلال الدسائس والمؤامرات هنا وهناك لتبدأ في ثوراتها المضادّة إعلاما،وأمنا،وبلطجية تحت شعارات ملغومة،وادّعاءات باطلة،ومناورات مكشوفة.فتجنّد لهذا الغرض المتجنّدون،وأصبح من الجلاّدين السابقين مرشدون ومصلحون،فوزّعوا بينهم الأدوارمتجنّبين العواقب والأخطار،وواعدين الانصاربالإنتصار.فما كان منهم إلاّ أن خاضوا مع الخائضين،واجتمعوا للتحريض وتغليط الناس في الميادين بعد أن قدّموا الضلالة على الدين،ودبحوا الشرعية بالسكّين.قال أبو الطيب المتنبي رحمه الله رحمة واسعة:

                          لا تشتري العبد إلاّ والعصا معه******إنّ العبيد لأنجاس مناكيد

 لكن،هل بمقدور هذه المعوّقات أن تحول دون اكتمال دورة هذا الفصل البديع؟بالطبع،هذا غير متوقّع إن نحن وضعنا في الحسبان القدرة الهائلة من الوعي التي أصبح يتمتّع بها المواطن العربي في ظلّ تأثيرات شبكة التواصل الاجتماعي ووسائل الاتصال الأخرىفالناس اليوم قاطبة يدركون بنسب عالية ما يدور حولهم من أحداث ووقائع بالصوت والصورة.وهذا إن دلّ على شيئ فإنّما يدلّ على أنّ التغيير في الوطن العربي آت لا محالة.قال الشاعر العربي:

                          ستبدي لك اللأيّام ما كنت تجهله******ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

إنّ عالمنا اليوم سريع التحوّل والتغببر بفعل التطور الهائل الذي باشرته البشرية في دنيا العلم والمعرفة،والشعوب العربية جزء فاعل في هذا النسيج الإنساني،وأمّة لها من المقومات في الأدب والأخلاق  والقيم الفاضلة ما يجعلها في مصاف الدول الديمقراطية.قال الطغرائي:

                           لا يمتطي المجد من لم يركب الخطرا
                                                                          ولا ينال العلا من قــــــدّم الحذرا
                           ومن أراد العلا عفــــــــــــــوا بلا تعب
                                                                          قضى ولم يقض من إدراكها وطرا

سيكون مخاض تحوّلنا الديمقراطي عسيرا مثل الشعوب التي خاضت مغامرة هذه التجربة الإنسانية وستعاني الشعوب العربية مدة طويلة من الاضطرابات والفوضى وعدم الاستقرار ،إلاّ أنّ ذلك سيجلب لنا نعمة العدالة الاجتماعية حيث تحترم حقوق الإنسان ولو نسبيا وينتهي القمع والتعذيب.ولولا دفع الناس بعضهم لبعض لفسدت الأرض وأصبح الإنسان ربّا على الإنسان.وأكيد أنّ تخلّف المواطن العربي وانحطاطه تربية وفكرا هما العاملان اللّذان أجبراه على تقديس الطغاة وتقبيل رؤوسهم وأياديهم. وهذه النّماذج من المواطنين المدجّين لا ولن تستفيد منهم أوطانهم لأ نّهم فقدوا الإحساس بالمواطنة حين رضعوا لبن الذلّ والهوان ورضوا بحياة الاستعباد بعد أن اسعذبوا العبودية والاستغلال ونسوا أنّهم ولدوا أحرارا كما قال أمير المومنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه:متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا.وقال الشاعر:

                       كم مات قوم وما ماتت مكارمهم****وعاش قوم وهم في النّاس أموات

إنّ الأنفس الميّتة هي التي ساعدت على انتشار الفساد ،بل وكافحت من أجل اتّساع رقعته وتقوية شوكته،ذلك أّنّ السواد الأعظم من الذين يعتبرون أنفسهم مصلحين وهم، في واقع أمرهم،مفسدون ومخرّبون لأوطانهم ،والأكثر من كلّ ذلك أنّهم يتآمرون مع الأعداء على شعوبهم  كما فعل المنافقون في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم.يريدون إطفاء نور الرحمان بأفواههم ،والله متمّ  نوره ولكنّ أكثر المنافقين لا يعلمون.لقد فرضت التحوّلات والتّغييرات نفسها على مجتمعاتنا،وتحتّم على الجميع البحث عن بدائل لتجاوز هذه المتغيّرات عوض محاولة وقف عجلة التطوّر عبر فرض حلول ترقيعية لا تفي بالغرض المطلوب.وللتذكير فقط فإنّه كلّما تمدّدت مدّة رفض التغيير كلّما ازداد مجال الوعي اتّساعا لدى المواطنين بضرورة التغيير الأمر الذي يؤشّر، وبقوّة، إلى فشل كلّ المحاولات الرّامية إلى إيقاف هذه التحوّلات الاجتماعية السياسيةأو القفز عليها.فهل حلّ هذه المعادلة سيستدعي ،حتما ،الحلول الأمنية،أم أنّ حكّام الشعوب العربية سيستدركون أمورهم،وسيقدمون على ما يمكن أن يجنّب بلدانهم ورعاياهم  سوء العاقبة؟؟؟قال الشاعر العراقي معروف الرصافي في  قصيدته  "نحن والماضي":
                  فدعني والفخار بمجد قــــوم****مضى الزّمن القديم بهم حميدا

                 قد ابتسمت وجوه الدّهر بيضا****لهم ورأيننا فعبــــــــسن سودا

                وقد عهدوا لنا بتراث مــــــجد****أضــــــــــعنا في رعايته العهودا

                وعاشوا سادة في كلّ أرض****وعشنا فـــــــــي مواطننا عبيدا

                إذا الجـــــــهل خيّم في بلاد****رأيت أسودها مـــــسخت قرودا

                                                                                    محمد الدبلي  الفاطمي

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire