العلم بعد أبي العلاء مضيّع***والأرض خالية الجوانب بلقع
هو أحمد بن عبد الله القضاعي التنّوخي،كان علاّمة عصره،وله التّصانيف المشهورة والرسائل المأثورة ،وله من النّظم لزوم ما يلزم،وله سقط الزّند وهو متن التنوير وكتاب الأيك والغصون.ولد بمعرّة النّعمان سنة 363هجرية،لأسرة عريقة لها نصيب غير قليل من العلم والأدب،فنشأ متضلّعا في فنون الأدب.وقد تتلمذ عنه أبو القاسم التّنّوخي والخطيب أبو زكرياء بحيى التبريزي شارح الحماسة وغيرهما،لكنّه أصيب بالعمى بسبب مرضه بالجذري.ومن تصانيفه كتاب اللاّمع العزيزي وهو شرح شعر أبي الطيب المتنبي.وقد قال أبو العلاء مرّة وبمعيته حشد من العلماء: كأنّما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث قال:
هو أحمد بن عبد الله القضاعي التنّوخي،كان علاّمة عصره،وله التّصانيف المشهورة والرسائل المأثورة ،وله من النّظم لزوم ما يلزم،وله سقط الزّند وهو متن التنوير وكتاب الأيك والغصون.ولد بمعرّة النّعمان سنة 363هجرية،لأسرة عريقة لها نصيب غير قليل من العلم والأدب،فنشأ متضلّعا في فنون الأدب.وقد تتلمذ عنه أبو القاسم التّنّوخي والخطيب أبو زكرياء بحيى التبريزي شارح الحماسة وغيرهما،لكنّه أصيب بالعمى بسبب مرضه بالجذري.ومن تصانيفه كتاب اللاّمع العزيزي وهو شرح شعر أبي الطيب المتنبي.وقد قال أبو العلاء مرّة وبمعيته حشد من العلماء: كأنّما نظر المتنبي إليّ بلحظ الغيب حيث قال:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي****وأسمعت كلماتي من به صمم
كما اختصر أبو العلاء ديوان أبي تمام حبيب بن أوس وشرحه وكذلك ديوان البحتري وتكلّم عن الثلاثة وعن غريب أشعارهم ومعانيها ومآخذهم من غيرهم وما أخذ عنهم.وقد تولّى الانتصار لهم والنقد في بعض المواضع عليهم،والتوجيه للخطإ في بعض الأماكن.ورحل طوال حياته إلى بغداد مرّتين،إذ كان أبوه أديبا وعالما،وجدّه قاضي معرّة النّعمان،كما كانت أمّه تنتمي إلى أسرة كريمة.وقد تلقّى المعرّي مبادئ العلم عن أبيه وتعلّم تعليمه الأساسي على يديه في مسقط رأسه،ثمّ درس في حلب ،وأخذ على علمائها اللغة والأدب،وزار طرابلس وأنطاكية وتعرّف على مكتبتها الشهيرة،ومرّ تاللاّذقية ونزل بدير الزّور وأخذ الفلسفة والعلوم الدّينية عن رهبانها ولم يدع بيت علم إلاّ وولجه،ولا مجلس أدب إلاّ حضره.وقد شاء القدر أن تموت أمّه بعد مرض عضال،فحزن كثيرا لموتها واعتزل النّاس ،ومال إلى الزّهد وسمّى نفسه برهين المحبسين،وبقي على حاله مدّة ليست بالقصيرة حتّى أصيب بمرض أدّى إلى وفاته نهار يوم الجمعة 20 ماي 1058م ،ويقال أنّ المعري أوصى بأن يكتب على قبره هذا البيت الشعري:
هذا ما جنـــــــاه أبي عليّ****وما جنــــيـــــت علــــى أحــــد
ويحكى أنّه كان يملي على بضع عشرة محبرة في فنون العلوم.وقد أخذ عنه ناس وسار إليه الطلبة من الآفاق والعلماء والوزراء وأهل الأقدار.ومكث خمسة وأربعين حولا لا يأكل اللّحم تزهّدا.ونظم أبو العلاء الشعر وهو ابن إحدى عشرة سنة ،وعند وفاته قرئ على قبره سبعون مرثية منه قول أبي الفتح البستي:
ألعلم بعد أبي العلاء مضـــــــــيّـع****والأرض خالية الجـــوانب بلــقــع
أودى وقد ملأ الــــــــــبلاد غرائـبا****تسري كما تسري النّجوم الطّلّـع
ما كنت أعلم وهو يوضع في الثرى****أنّ الــثرى فيه الكــــواكب تــودع
جــــبل ظننت وقـــــد تزعزع ركنه****إنّ الجــــبــال الرّاسيات تزعــــزع
وعجبت أن تسع المـــــــعرّة قبره****ويضيق بطن الأرض عنه الأوسـع
لو فاضت المـــــــهجات يوم وفاته****ما استكثرت فيه فكـــــيف الأدمع
عين تـــــــــسهّد للعفاف وللتّقى****أبدا وقلـــب للمهيمن يخـــــــــضع
شيم تجمّله فــــهنّ لمــــــــجده****تاح،ولكن بالثّــــــناء يرصّــــــــــــع
جادت ثراك أبا العــــلاء غـــــمامة****كندى يديك ومــــزنة لا تـــقلــــــــع
ما ضيّع الباكي عليك دموعــــــه****إنّ الدّمــــــــــوع على سواك تضيّع
قصدتك طلاّب العلـــوم ولا أرى****للــــــعلم بابا بعــــــــد بابك يقــــرع
مات النّهى وتعطّــــلت أسبابه****وقضى التّأدّب والمـــــــــكارم أجمع
ومن أشعاره في رثاء أحد الفقهاء واسمه الحنفي أبو حمزة الأوّاب، قال أبو العلاء رحمة الله عليه في قصيدة له وهي من أروع القصائد التي جادت بها قريحته المتوقّدة:
غير مجد في ملّتي واعتــقادي****نـــــوح بـــــــاك ولا ترنّــــــم شادي
وشبيه صوت النّعيّ إذا قــــــــيــــــس بصوت البشير في كلّ نـــــــــاد
أبكت تلكم الحمامة أم غنّـــــت****علــــى فرع غـــصنـــــها المــــــيّاد
صاح هذي قبورنا تــملأ الرّحب****فأيـــن القـــبور من عــــهد عـــــــاد
خفّف الوطأ ما أظـــنّ أديم الأ ****رض إلاّ من هــــذه الأجــــــــــــساد
وقبيح بنا وإن قدم الـــــــعهــــــــد هـــــوان الآبـــــــاء والأجـــــــــــداد
ســـــر إن استطعت رويــدا****لا اختــــيالا عـــلى رفــــاة العـــــــباد
ربّ لـــحد قد صار لحدا مرارا****ضاحــــك من تزاحـــم الأضـــــــــــداد
ودفيـــن على بقايا دفــين****فــي طــــــويل الأزمـــان والآبــــــــاد
تعب كلّها الحياة فـــــما أعـــــــجب إلاّ مـــن راغـــب فــــــــي ازدياد
إنّ حزنا في ساعة الموت أضـــــعاف ســـرور في ساعة المــــــيلاد
خلق النّاس للبقاء فـظلّت****أمّـــة يـحـــســــــــبونــــهم للنّــــفاد
إنّما ينقلون من دار أعمـــــا****ل إلى دار شـــــقـوة أو رشــــــــــــاد
ضجعة الموت يستريــــح الــــــجسم فيها والعيش مثل السّـــــــــهاد
أبنات الهديل أسعدن أوعـد****ن قلـــــيل العــــــزاء بالإســـــــــــعاد
ثمّ غرّدن في المآثم وانــد****بن بشـــجو مع الغــواني الــــــــــخراد
فعزيز عليّ خلط اللـيالي****رمّ أقــــدامكم بـــــرمّ الهـــــــــــوادي
واللّبيب اللّبيب من ليس يغـــــترّ بكــــون مصـــــيره للفـــــــــــساد
والمعروف عن أبي العلاء أنّه كان قبيح الخلقة،قصير القامة،رقيق العاطفة،ذكيا يجيد الحفظ والتّذكّر،كما كان ثاقب العقل ،لاذع الانتقاد ،دقيق الإحساس لكنّه متبرّما بالنّاس والدّنيا،كثير التشاؤم بسبب رؤيته للدنيا على أنّها مقرّ للهموم والآلام.وقد عني عناية خاصّة بالفلسفة اليونانية والهنود بحيث ظهر كلّ ذلك في أخلاقه وشعره.يقول في إحدى قصائده الرائعة:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعــــل****عــــــفاف وإقـــدام وحـــزم فنائل
أعندي وقد مارســـــت كلّ خــفيّة****يصـــــدّق واش أو يخــــيّب سائل
تعدّ ذنوبي عـــــــند قـــــوم كثيرة****ولا ذنــــب لي إلاّ العلى والفضائل
كأنّي إذا طلــت الــــــــزّمان وأهله****رجــعت وعندي للأنام طــــــوائل
وقد سار ذكرب في البلاد فمن لهم****بإخــفاء شــمس ضوؤها متكامل
يهـــمّ اللّيالي بعض ما أنا مضـــمر****ويـــثقل رضــوى دون ما أنا حامل
وأتّي وإن كنــــــت الأخـــــير زمانه****لآت بمـــا لم تستطـــــعه الأوائل
فإن كان في لبس الفتى شرف له****فما السّيف إلاّ غـــمده والحـمائل
ولو بان عنقي ما تأسّف منــــكبي****ولو مات زنــدي ما بكــــته الأنامل
أذا وصف الطّائي بالبــــــخل مادر****وعيّــــر قـــسّا بالفــــــهاهة باقـل
وقال السّهى للشّمس أنت ضئيلة****وقال الدّجى للصّبح لونــــك حائل
وطاولت الأرض السّــــماء سفاهة****وفاخرت الشّهب الحصى والجنادل
فيا موت زر إنّ الحـــــياة ذميــمة****ويا نفس جدي فإنّ دهــــــرك زائـل
ومن آثاره أيضا "سقط الزّند"جمع فيه قصائده التي قالها قبل الرحلة إلى بغداد،ويحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف بيت.وقد شبّه شعره الأوّل بأوّل نار تخرج من الزّند أي سقط الزّند.أمّا "اللزوميات"فهو ديوان شعر كبير يحتوي نحو أحد عشر ألف بيت،وكلّه في الفلسفة،و"رسالة الغفران"وهي أيضا رسالة كتبها المعرّي إلى علي بن منصور الحلبي جوابا على رسالة بعث بها إليه هذا الأخير.ومن مؤلفاته كذلك "الأيك والغصون"و"عبث الوليد"وهو تعليق على ديوان البحتريو"رسالة الملائكة"وكتاب"الفصول والغايات"وكتاب"معجز أحمد".
أمّا شعره فمنه الرّسمي يمدح فيه الأعيان،وآخر من باب الإخوانيات،وقد جارى فيه أبا تمّام والمتنبّي والبحتري في استنباط المعاني وتقويّة اللّفظ وانسجام الصورةودقّتها،والدّارس لشعر أبي العلاء سيجده أجاد في الرثاء إجادة أدركت الغاية
محمد الدبلي الفاطمي
ومن أشعاره في رثاء أحد الفقهاء واسمه الحنفي أبو حمزة الأوّاب، قال أبو العلاء رحمة الله عليه في قصيدة له وهي من أروع القصائد التي جادت بها قريحته المتوقّدة:
غير مجد في ملّتي واعتــقادي****نـــــوح بـــــــاك ولا ترنّــــــم شادي
وشبيه صوت النّعيّ إذا قــــــــيــــــس بصوت البشير في كلّ نـــــــــاد
أبكت تلكم الحمامة أم غنّـــــت****علــــى فرع غـــصنـــــها المــــــيّاد
صاح هذي قبورنا تــملأ الرّحب****فأيـــن القـــبور من عــــهد عـــــــاد
خفّف الوطأ ما أظـــنّ أديم الأ ****رض إلاّ من هــــذه الأجــــــــــــساد
وقبيح بنا وإن قدم الـــــــعهــــــــد هـــــوان الآبـــــــاء والأجـــــــــــداد
ســـــر إن استطعت رويــدا****لا اختــــيالا عـــلى رفــــاة العـــــــباد
ربّ لـــحد قد صار لحدا مرارا****ضاحــــك من تزاحـــم الأضـــــــــــداد
ودفيـــن على بقايا دفــين****فــي طــــــويل الأزمـــان والآبــــــــاد
تعب كلّها الحياة فـــــما أعـــــــجب إلاّ مـــن راغـــب فــــــــي ازدياد
إنّ حزنا في ساعة الموت أضـــــعاف ســـرور في ساعة المــــــيلاد
خلق النّاس للبقاء فـظلّت****أمّـــة يـحـــســــــــبونــــهم للنّــــفاد
إنّما ينقلون من دار أعمـــــا****ل إلى دار شـــــقـوة أو رشــــــــــــاد
ضجعة الموت يستريــــح الــــــجسم فيها والعيش مثل السّـــــــــهاد
أبنات الهديل أسعدن أوعـد****ن قلـــــيل العــــــزاء بالإســـــــــــعاد
ثمّ غرّدن في المآثم وانــد****بن بشـــجو مع الغــواني الــــــــــخراد
فعزيز عليّ خلط اللـيالي****رمّ أقــــدامكم بـــــرمّ الهـــــــــــوادي
واللّبيب اللّبيب من ليس يغـــــترّ بكــــون مصـــــيره للفـــــــــــساد
والمعروف عن أبي العلاء أنّه كان قبيح الخلقة،قصير القامة،رقيق العاطفة،ذكيا يجيد الحفظ والتّذكّر،كما كان ثاقب العقل ،لاذع الانتقاد ،دقيق الإحساس لكنّه متبرّما بالنّاس والدّنيا،كثير التشاؤم بسبب رؤيته للدنيا على أنّها مقرّ للهموم والآلام.وقد عني عناية خاصّة بالفلسفة اليونانية والهنود بحيث ظهر كلّ ذلك في أخلاقه وشعره.يقول في إحدى قصائده الرائعة:
ألا في سبيل المجد ما أنا فاعــــل****عــــــفاف وإقـــدام وحـــزم فنائل
أعندي وقد مارســـــت كلّ خــفيّة****يصـــــدّق واش أو يخــــيّب سائل
تعدّ ذنوبي عـــــــند قـــــوم كثيرة****ولا ذنــــب لي إلاّ العلى والفضائل
كأنّي إذا طلــت الــــــــزّمان وأهله****رجــعت وعندي للأنام طــــــوائل
وقد سار ذكرب في البلاد فمن لهم****بإخــفاء شــمس ضوؤها متكامل
يهـــمّ اللّيالي بعض ما أنا مضـــمر****ويـــثقل رضــوى دون ما أنا حامل
وأتّي وإن كنــــــت الأخـــــير زمانه****لآت بمـــا لم تستطـــــعه الأوائل
فإن كان في لبس الفتى شرف له****فما السّيف إلاّ غـــمده والحـمائل
ولو بان عنقي ما تأسّف منــــكبي****ولو مات زنــدي ما بكــــته الأنامل
أذا وصف الطّائي بالبــــــخل مادر****وعيّــــر قـــسّا بالفــــــهاهة باقـل
وقال السّهى للشّمس أنت ضئيلة****وقال الدّجى للصّبح لونــــك حائل
وطاولت الأرض السّــــماء سفاهة****وفاخرت الشّهب الحصى والجنادل
فيا موت زر إنّ الحـــــياة ذميــمة****ويا نفس جدي فإنّ دهــــــرك زائـل
ومن آثاره أيضا "سقط الزّند"جمع فيه قصائده التي قالها قبل الرحلة إلى بغداد،ويحتوي على أكثر من ثلاثة آلاف بيت.وقد شبّه شعره الأوّل بأوّل نار تخرج من الزّند أي سقط الزّند.أمّا "اللزوميات"فهو ديوان شعر كبير يحتوي نحو أحد عشر ألف بيت،وكلّه في الفلسفة،و"رسالة الغفران"وهي أيضا رسالة كتبها المعرّي إلى علي بن منصور الحلبي جوابا على رسالة بعث بها إليه هذا الأخير.ومن مؤلفاته كذلك "الأيك والغصون"و"عبث الوليد"وهو تعليق على ديوان البحتريو"رسالة الملائكة"وكتاب"الفصول والغايات"وكتاب"معجز أحمد".
أمّا شعره فمنه الرّسمي يمدح فيه الأعيان،وآخر من باب الإخوانيات،وقد جارى فيه أبا تمّام والمتنبّي والبحتري في استنباط المعاني وتقويّة اللّفظ وانسجام الصورةودقّتها،والدّارس لشعر أبي العلاء سيجده أجاد في الرثاء إجادة أدركت الغاية
محمد الدبلي الفاطمي
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire