samedi 20 juillet 2013

فـــــا لعـــلم للـــــمــــرء مـــثـــل الـــــمـــاء للـــــسّـــــمـــــك

                               المعرفة بين مطرقة التربية وسندان الثقافة


 تعرّف التربية بأنّها الفعل المؤثر الذي يؤثر،من خلاله،الكبار على الصغار في القول والعمل عبر مجموعة من الأسباب والمسبّبات تــــــــتداخل فيها العـــــــــــوائد،والتـــــــــــقالـــــــــــيد،والأعـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــراف
 وكلّ الممارسات ،والتصرفات والسلوكات التي دأب على التفاعل بمقتضاها شعب من  الشعوب.وهذه المؤثرات هي التي نطلق عليها اسم الثقافة باعتبارها موروثات تركها  السّلف للخلف،أو هذا ما وجد نا عليه آباءنا بفصيح العبارة.ومعلوم أنّ العديد من تلك  الموروثات لا تخضع إلى معايير معقلنة تزكّيها،ولا إلى معطياة علمية تبرّرها.ومع  مرور الأزمنة وتوالي الأيام تترسّخ هذه الموروثات في ثقافات المجتمعات،الأمر الذي  يصعب معه استئصال أورامها الخبيثة.
 أمّا المعرفة فهي مجموعة من القواعد العلمية المبنية على الـــــــــــــــــــــــملاحظة،          والفرضـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــية،
 والتجربة،والتي بمقتضاها نشأت هذه الحضارة حيث نعيش اليوم.والمعرفة يكتسبها  المرء الحرّ،بينما تزرع الثقافة في نفوس الصغار بالعنف،في الغالب من الأحيان  بحيث يرغم هؤلاء على ممارسة ما لا يفهمون.وفي هذا السياق ظلّت المعرفة،منذ  الأزمنة الغابرة،تلاحق الثقافات مستهدفة إخراجها من الظلمات إلى النور،ومازالت  كذلك إلى   يومنا هذا،بيد أنّ الرؤوس المتّسخة لا بدّ وأن يستوطنها القمل.وما لم  تستعن التربية بالمعرفة في تطوير عقول ناشئتنا فلن تقوم لنا قائمة إلى أن يرث الله  الأرض ومن عليها.ذلك أنّ انتشار المعرفة أفقيا في مجتمعاتنا العربية لا يمكن أن  يحدث إلاّ إذا أمكن للمدرسة أن تلعب دورها الرّائد في تطوير ثقافات  الشعوب.والمدسة،في هذا السياق ،يتوجّب عليها أن تكون حاضرة  برجالها،ونسائها،ومدعومة ماديا ومعنويا بغية خلق مدرسة النجاح الحقيقية قولا وعملا.قال أحد الأئمة الكبار:

           ألعلم في الصدر مثل الشمس في الفلك
                                                    والعقل للمرء مثل التّاج للملك
           فاشدد يديك بحبل الـــــــــعلم معتصما
                                                    فالعلم للمرء مثل الماء للسّمك

 علينا أن ندرك أنّ المدرسة وحدها لا تستطيع فعل أيّ شيئ من حيث التغيير،ما لم تندمج هذه المؤسسة في مشروع مجتمعي متكامل ،وبمنظومة تربوية مشبّعة بالمستجدّات ،ومهيكلة بمقاربات واقعية ومحدّدة في الزمان والمكان.علينا أن نكون واقعيين كلما دعت الضرورة إلى ذلك،فنحن اليوم أمام ثورة ذاتية حقيقية تطالبنا برفع التحدّيات،وتخطّي الصعاب.لم يعد الوضع يحتمل التّأخير،ولو لقليل من الوقت،سيّما وأن أوضاعنا تزداد تقهقرا يوما بعد يوم،في ظلّ الاحتجاجات والمظاهرات التي تجري أمام أعيننا في جميع عواصم العالم العربي.إنه بالفعل تمرد المعرفي على الثقافي،والسبب في ذلك توسّع المعرفة كل ثانية في أذهان الناس جميعا،ممّا أفضى إلى بزوغ فجر جديد ألا وهو عالم المعرفة.قال أمير الشعراء أحمد شوقي:

         فعلّم ما استطعت لعلّ جيلا      سيأتي يحدث العجب العجابا

 لقد سقط القناع،فانهار المسرح فوق رؤوس الأنظمة الفاسدة،وتبيّن للجميع أنّ ثقافة التدجين لم تعد تجدي نفعا.ذلك أنّ وسائل التواصل والاتصال لعبت دورا جهنّميا في توسيع المعرفة لمجالها الحيوي،بعد أن استطاعت هذه الأخيرة هدم الحدود بين سكان العالم جميعا.وهذه الشمس المعرفية التي أشرقت فوق سماء شعوبنا العربية جلبت لنا فصلا بديعا سمي بالربيع العربي،حين أصبحنا قادرين على فتح أفواهنا،بينما لم نكن سلفا قادرين على فتحها إلاّ عند طبيب الأسنان.لم نكن نتوقّع رؤية القذافي وهو يستغيث ولا من يغيث،ولم نكن نعتقد،ولو للحظة واحدة،رؤية حسني مبارك وهو قابع وراء القضبان.إنها المعرفة التي  رشّت صراصير المياه العادمة بمبيدات قاتلة،ولولا تلك المبيدات ما استطعنا هزم الصراصير.قال الشاعر:

          إنّ الصراصير لمّا قام قائمها         توهّمت أنّها صارت شواهينا

إلى متى سنظلّ نقرض كالفئران نصائح ساستنا الحكّام؟علينا بتجديد دمائنا، وغسل أفكارنا ،وتجفيف منابع الغشّ في تصرّّفاتنا ومعاملاتنا.علينا أن نعيد غربلة ماضينا، لأنه كنز لا يفنى ،ورداء لا يبلى ،ومصابيح لا تنطفئ أبدا. إنها البوصلة التي ستقودنا ألى برّ الأمان.فهذه مناسبة لتصفية كلّ الحسابات ،وتسوية كل الاعوجاجات التي أحدثها التخلف البغيظ،وهي مناسبة كذلك لتطوير أوضاع شعوبنا من خلال تحبيب المعرفة إليهم والسعي نحو جعلها في متناولهم،والسير بهم نحو غد أفضل  في الحقوق والواجبات.علينا أن نبرهن للعالم بأجمعه أنّنا أمّة قادرة على العودة إلى معترك التّقدّم والحضارة،من خلال إحداث التغيير المطلوب المبني أساسا على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في ظلّ سيّادة دولة الحقّ والقانون.وبالمناسبة سأسوق إليكم أشعار الشاعر الكبير نزار قبّاني والتي أعتبرها تعبيرا صارخا عمّا يجري في عالمنا العربي.يقول:

 في حارتنا ديك سادي سفّاح

 ينتف ريش دجاج الحارة كلّ صباح

ينقرهنّ،يطاردهنّ،يضاجعهنّ،يهجرهنّ

 ولا يتذكّر أسماء الصيصان

في حارتنا ديك يطلق لحيته الحمراء

 كشمسون الجبّار

 ألقى القبض على الحرية

 بالدّبّابة والأشرار 

 ديك عدوانيّ فاشستيّ نازي الأفكار

 يخطب فينا،ينشد فينا،يزني فينا

ألغى أمّة،ألغى شعبا

 ألغى أحداث التاريخ،وميلاد الأطفال   

وحتّى أسماء الأزهار

 في حارتنا ديك عصبي مجنون

يخطب كالحجّاج

 يمشي زهوا كالمأمون

 ويصعد فوق مئدنة الجامع ويصيح

يا سبحاني،يا سبحاني

فأنا الدولة وأنا القانون

                                                                        محمد الدبلي الفاطمي
                                                     

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire