lundi 15 juillet 2013

وليــــس يــصـــــحّ في الأذهــــا ن شــــيئ ****إذا احـــــتاج الـــنّــــهار إلى دلـــيــــل

 تعتبر الديمقراطية الوسيلة الوحيدة التي بمقدورها تمكين الشعب من حكم نفسه بنفسه،من خلال مؤسسات منتخبة بطريقة ديمقراطية،ونزيهة.وبهذا المعنى  يكون الشعب هو مصدر السلطات جميعها،بينما تكون السيّادة للقانون،والقانون فقط،في ظل توفّر الشروط الذاتية والموضوعية لبناء هذه الكيّان الجديد.وهذه الشروط الذاتية والموضوعيةهي التي تتحكّم في مدى استطاعة تدبير الشعب لهذا النّمط من الحكم.ذلك  أنّ معظم الشعوب المتحضرة، التي عاشت تجارب الانتقال الديمقراطي،عرفت،إبّان دخولها غمارهذا النوع من التجارب،أنها مقبلة على تحولات عميقة،وتغيّرات جذرية ذاتية وموضوعية،الأمر الذي أرغمها على اتّخاذ كل الاحتياطات الضرورية،واللاّ زمة بغية إنجاح هذا الانتقال العصيب.وعلى سبيل المثال ،لا الحصر،تجربة الشعب الفرنسي الذي أطاح بالملك لويس الثامن عشر سنة 1789،وتجربة شعب رومانيا الذي أطاح بتشاوشيسكو في نهاية القرن الماضي.
 لكن،ما الفرق بين شعوبنا وشعوبهم؟أوليست الثقافةهي الموجّهةالأساسية للتربية؟ كيف لنا أن نشيّد مجتمعا متحضّرا،وديمقراطيا،ونحن غارقون في متاهات الشعوذة،والجهل،والانحلال؟ألسنا في أمسّ الحاجة إلى ثورة أخرى في وجه عوائدنا،وأخلاقياتنا التي انحطّت إلى الدّرك الأسفل من الدّناءة والتخلف؟
 إنّ إسقاط الأنظمة هو الحلقة الأولى من مسلسل مكوّنات الثورة،ولا طائل من وراء ثورة تنبني على أساليب ومغالطات الماضي.فإذا كنّا سنعالج الجرح قبل تطهيره فمعنى ذلك أنّنا سنبقي على حفنة من الجراثيم،ممّا سيتسبّب حتما في عودة الدّاء من جديد.علينا أن نتعلّم من غيرنا ما سيمكّننا من حماية مستقبلنا،ومستقبل فلذات أكبادنا،وإلاّ فإن الطّامّة آتية وليس لوقعتها كاذبة.قال الشاعر العربي:

         تعلّم فليس المرء يولد عالما      وليس أخو علم كمن هو جاهل

        وإنّ كــبير القوم لا علم عنده      صغير إذا  التفّت عليه المحافل

وأكيد أنّ حاجتنا إلى التعلّم من غيرنا تنبع من كوننا تدجّننا بفعل الظّلم والقهر  ،والاستبداد،ولم نعد ندرك الحدود الفاصلة بين الصالح والطّالح،والبيّن والغامض،والكذب والصدق.وهذا التّخبّط العشوائي في اتّخاذ القرارات، جعل الشعوب العربية حبيسة ثقافة يغلب عليها التدجين والاستقطاب،ويسيطر عليها الخوف والترهيب.وفي مثل هكذا مناخات ينتعش الغشّ،وتتفشّى طبائع الفساد و الاستبداد بحيث  تستنوق الجمال وتستجمل النوق.قال أبو الطيّب المتنبي الشاعر الكبير:

         وليس يصحّ في الأذهان شيئ      إذا  احتاج النهار إلى دليل

 ومثل هذه الإكراهات تصعّب علينا إنجاز هذا التّغيير الهادف إلى دمقرطة حياتنا العامة،وإرساء دعائم دولة الحقّ والقانون.ذلك أنّ شعوبنا العربية ألفت الركوع والانبطاح أمام حكّامها،وتعوّدت على تقبيل الأيادي والرؤوس،ولم تعد قادرة على  التحرّر جرّاء فقدانها لإنسانيتها،وتجرّدها من قيّمها الأصيلة،وثقافتها العربية الإسلامية العريقة.قال الشاعر العظيم نزار قبّاني وهو يصف أوضاع كتّابنا اليوم:


 كتّابنا، ما مارسوا التّفكير من قرون


 من مطبخ السّلطان يأكلون،


 بسيفه الطّويل يضربون،


 كتّابنا يحيون في إجازة وخارج التّاريخ يسكنون

  إنّ الشعوب العربية اليوم تقف في مفترق الطّرق،فإمّا أن تخلع عنها الحذر،وتتقدّم    بخطى مفعمة بالعزم والثقة في النفس،وإمّا أن تظلّ رهينة الركوع والانبطاح وتقبيل الأيادي والرؤوس إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. وأكيد أنّ المتملّقين والمنافقين هم الذين يستنفعون في مثل هكذا أوضاع ،فتراهم يعيّنون في مواقع لا يستحقّونها،ممّا يؤثّر سلبا على مصالح المواطنين وحقوقهم،في التعليم والصحّة والسّكن وهلمّّجرّا.ومن طبيعة الحال أن تنحطّ مؤهلات المواطنين ،وتتدهور معايشهم ،وتتضعضع عقولهم وأفكارهم،وتميل إلى الفساد والإفساد ضمائرهم،وكأنّ الفساد هو صلاحهم،والإصلاح عدوّهم.فتنتشر التجارة في السلع الممنوعة والمحرّمة كالمخدّرات بجميع أصنافها،والخمور والبضائع المهرّبة،والدّعارة واختطاف الأطفال واغتصابهم،والرشوة والزبونية والمحسوبية وكلّ الانحرافات المعروفة منها وغير المعروفة.وتحت وطأة هذه الانحلالات اللاّإنسانية النّاجمة عن الطّمع والجشع و انعدام الضمير  تقف الشعوب العربية اليوم في مفترق الطرق بعد أن وجدت نفسها عاجزة عن الانتقال من عالم الشعوذة والتخلّف والانحطاط إلى عالم المعرفة والتّحضّر والاستفهام.صحيح أنّ الشعوب  العربية تجاوزت في معاناتها ومآسيها ما لا بمكن وصفه حتّى،وصحيح أيضا أنّ السّواد الأعظم محرومون من نعمتي القراءة والكتابة،وهذان العاملان هما اللذان أثّرا،وبشكل كبير على انتفاضات المجتمعات العربية،بحيث لم تجد هذه الشعوب من سيأخذ بزمام ثوراتها ويقودها نحو  برّ الأمان،بل وجدت في انتظارها أناسا من نفس الطّينة التي كانت تحكمهم،فقادوا الانقلابات،ونشروا الرعب والترهيب والتهويل والتخويف في نفوس الناس، بهدف منع الديمقراطية من تدبير شؤون الشعوب كما هو حال الجيران.قال الشاعر الكبير أحمد شوقي:


                         مخطـــئ من ظـنّ يـوما****أنّ للــــــثّعلب ديـــــــــــنا

 إنّ الديمقراطية ستحطّ الرّحال، حتما، في عالمنا العربي مستقبلا بغضّ النظر عن التوقيت.قد تطول المدّة أو تقصر،ولكنّ الواقعة ليس لوقعتها كاذبة بمقتضى العوامل التي ستقودنا بالتّأكيد إلى نفس النتائج التي رأيناها تجري في بعض بلدان عالمنا العربي.فهل نحن على استعداد لمواصلة ما بدأه البوعزيزي في تونس الخضراء.


                     محمد الدبلي الفاطمي



    

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire